لاموت إلا بالتحرير : في فهم صور موت الفلسطيني والمصري “تعددية معاني الموت و غموضه”

لاموت إلا بالتحرير : في فهم صور موت الفلسطيني والمصري “تعددية معاني الموت و غموضه”

مصطفى نصار

عندما يموت شخصًا ما ، فإن الشعور الذي يغلب على الفرد هو الحزن و الكمد على فراقه ،و تسترجع الذكريات معه و تتمنى الرجوع له ولو لحظة لتتنسى به ولا تدع شئيًا ما يحزنه أو يعكر له طريقه في أي تصرف يتصرفه ، فالموت طريقة لمراجعة الذات وفقًا للفيلسوف ادغار موران فهو مرآة لأعمال و أفاعيل الإنسان الرفيعة و الجسيمة و تعديلها قبل المجئ الأخير للضيف حتمي المجيء .

يتأخذ الموت معنى آخر أكثر شمولية لدى فلاسفة عصر التنوير ،فمثلًا عند فولتير الموت تضحية نبيلة لمن يستحقها ،فالموت يبرر من وجهة نظره عند نقطة التضحية و مدى نبل النمط الذي يضحى به الإنسان الطبيعي، فالنتائج مختلفة إذ ما ضحى المرء لأهله مثلًا أو وطنه أو زوجته ،فالموت يتصل لدى فولتير بالفناء المتصل بالقيم النبيلة .

ولا يختلف الأمر كثيرًا لدى روسو إذ يرى أن الموت هو الأمر الذي ينتهى عنده كل ذكرى جميلة ،فهو موقف الذكريات و منبعها أيضًا يدلل عليه من مدى الأثر الذي يتركه في الحياة و تذكر الناس له و هذا ما طبقه روسو في كتابه العقد الاجتماعي.

إذ الموت انتقل من القديسة لاعتباره من يقينات الحياة غير المفسرة ،صحيح أن حال الموت لن يختلف كثيرًا لدى الكثير من البشر لعدم اختلاف التعامل معه ،و تشابه التفسيرات لدى الناس من مختلف الملل و النحل تجاهه ،و لكن أس القصيد يكمن في الاختلاف الحقيقي حيال ماهيته الحياتية أو العلمانية ،الذي عبر عنها نيكولاس اوتو بالسببية ،فالموت هكذا سبب لإكمال الحياة و الاجتهاد بها لإكمال الإنسان.

فظل الموت هكذا خاضعًا لأبعاد التاريخ الإنساني الذي ما زال يدور في مدارات القيم الأخلاقية التي تصقل الإنسان و تجعله بعيدًا عن الاغتراب و العزلة، أو حسب تعبير دوجلاس ديفيز إدراكه تأكيد على الإنسان و حيوتيه ،و ربما يقصد الغاية التي لا تمنح بسهولة ،فهناك الملايين موتى أحياء لعدم علمهم ماهية الموت و الحياة .

لا موت إلا بالتحرير:مختصر صور الموت الفلسطيني .

عندما استشهد المناضل الفلسطيني و أقدم أسرى الأحتلال الإسرائيلي وليد دقة ، تلجم عقلي عن التفكير ليس لتكرار صور الموت بل لإثباته المقولة الشهيرة لمحمود درويش أننا نعيش الحياة إذ ما استطعنا إليها سبيلًا ، فالحياة تعاش بالمقاومة لا بالسكون و الركون و المرقدة الفارهة أو البحث في السوق عن عمل لا يكفي الشهر، أو الاكتفاء بالعيش على هامش الحياة ،لا أن تكون الحياة بحق و صدق ،فالحياة لدى الأسرى أو أي فلسطيني تتصل بأنماط سلوكية و نفسية عديدة مفادها أن الحياة تعاش للقضية لإن الموت يتساوى بالحياة إذ ما كانت سليمة تمامًا .

في كتابه الشهير صور موت الفلسطيني ،يصل الباحث إسماعيل ناشف لنتيجة مرجو تعميمها و هي أن الشخص لا يموت إلا مرة واحدة فالموت يتصل لدى ناشف في صوره الجوهرية بنسق ثقافي و نفسي ينقي الفرد من كونه ترس أو صرصار بتعيير مجدي الجلاد عن النمط المعيشي للمصريين إلا أن صور موت المصري تحتاج لشرح و تفصيل آخر ، و لكنه الصور الذي جعلت المقاومة تنفذ الطوفان هي تلك الفاهمة برصانة لصور الموت و قد قالها أبو عبيدة إما نصر أو استشهاد.

فالموت بتلك الصورة أصبح نمطًا حياتيًا لا يتخطى فقط كونه النهاية بل صورة من صور التي تملى الكون فخرًا و حمدًا و تسبيحًا في تطبيق الإيمان و العقيدة ، فلا موت إلا بالتحرير و التجديد و التخطيط فيكلل الاجتهاد عبر نتائج مرجوة لازمها عمل دؤوب و ممارسة فعالة

قد يعجبك ايضآ