الأخلاق بقلم/وائل جنيدي

بقلم/وائل جنيدي

الأخلاق, هي كلمة _من الوهلة الأولي_ تظن أن لها أبعادًا ثابتة وأركانًا لا تتزعزع ,

ويخيل إليك أنها شيء أقرب للقداسة ولا يختلف عليها عاقلان.
فإذا سألت أعتي المجرمين قبيل إعدامه مثلًا هل تؤيد انتشار الأخلاق الحميدة بين الناس ؟
سيُجيبك من فوره وبلا تفكير أن نعم,
ولكن المعضلة الحقيقية أن الأخلاق كمفهوم لا قواعد له ولا حدود ولا سور يُحيطه ,

و يعزله عن النقائص والأفعال المشينة.
للأسف الأخلاق تتغير ولا أقول أن الناس أصبحت بلا أخلاق؛ لا إنما أقصد أن الأخلاق ذاتها

كمجوعة من الأفعال الصالحة التي تتبع ومجموعة من الأفعال المشينة التي يمتنع عنها بشكل صارم تتغير
وتتبادل الأشياء مواقعها على خريطة الأخلاق من وقت لآخر .
فإذا كانت الأفعال الجنسية السرية بدون زواج هي أمر شائن جدًا في كل مكان على وجه الأرض

منذ قرن مضى فقد تطور الأمر ليصبح العار فقط في الممارسة العلنية ومن ثم تطور الأمر ليكون

من يمنع هذا سريًّا كان أو جهريًّا هو المعتدي على الحريَّات والحق
والأخلاق المزعومة تقف صامدة إلى جانب الزُّناة و دُعاة الفحش والرزيلة
وقبل الاستطراد في التطور بل التحور الغريب في مسار الأخلاق سنقف للحظات لنتامل قليلًا ..
من اختار بنود الدستور الإنساني الذي يسمى أخلاقًا في البداية ؟
أقصد هنا من بتَّ بأنَّ السرقة والقتل والاغتصاب والخيانة ليست من الأخلاق؟
بعد تأمل وتدقيق وبحث نجد أن الأمر لم يكن سوى شرائع دينية أو شبه دينية

اعتنقتها المجتمعات المتفرقة حين كانت المجتمعات على جزر منعزلة ولا يكاد يدري مجتمع بما يليه

من المجتمعات بفراسخ قليلة على ذات الارض وحين تقزَّم العالم واختصر الكوكب في ورقة بريد

يحملها قطار في أيام ثم برقية برق تصل في سويعات ثم إلى الوصول إلى أقصى الأرض بكبسة زر

على جهاز محمول وأنت على فراشك ترى ثقافات الدنيا بالصوت والصورة
أصبحت كل المعارف الأنسانية منشورة على الملأ وأصبحت أخلاق البحر وأخلاق البر يجتمعان معًا

في دستور أخلاقي واحد واتحدت أخلاق السقيع والثلوج في أقاصي الأرض مع أخلاق خط الأستواء

وحين عرضت كل الأخلاق أمام الجميع وجد الجميع أن الأخلاق واحدة تقريبا إلا من شذوذ لابد منه فعادات

بعض القبائل بأكل لحوم البشر شذود نادر وعادات دفن الزوجة حيّة مع زوجها المتوفي لا يُقره سوى

تجمعات أقل من القليلة لذا فهي ليست من الأخلاق العامة ويجب على المجتمع الإنساني

مُحاربة الشذوذ لدى هؤلاء حتى يتسقوا مع المبادئ الأخلاقية الإنسانية .
إذن يتبين لنا أن المصدر الرئيسي للأخلاق من الأساس ليس عادات وتقاليد ولكنها على الأغلب الأديان
وإن حُرِّفت وتحرَّفت واندثرت لكن القواعد الأخلاقية تظل موجودة في المجتمعات وتعيش أكثر مما عاشت العبادات
وهنا نجد أن المجتمع الإنساني منذ نشأته وخلال مساره الطويل كانت أخلاقه أثبت من أن تتغير

فكل البشرية قد اتفقت على حرمة قتل النفس وتجريم الاعتداء وتحريم الجنس إلا في

إطار الزواج بأشكاله والاتفاق على التسلسل الطبيعي للحكم فلا تجد جماعة متخلفة

أو متطورة إلا ولها تسلسل قيادي بعض تلك المسلمات فرضتها الضرورة وبعضها فرضتها الفطرة الإنسانية ذاتها
وبالطبع لا ننفي وجود الشذوذ في كل التفاصيل ولكنه يظل في إطار الشذوذ ولا يتعداه لينضم للقاعدة
كل ما سبق كان تطورًا طبيعيا لمصطلح الأخلاق ولا غبار عليه حتى الأن
وإذا كانت الأخلاق بهذا الثبات والرسوخ في الذهن الجمعي الإنساني فلماذا لا تستبدل الأديان بالأخلاق إذًا؟
ونعفي البشرية من التناحر حول الأديان طالما الجميع يتمتع بالأخلاق وهي كفيلة بتنظيم الحياة البشرية ؟
وكان هذا نداء مدوٍ في فترة من الفترات ونظرية فلسفية لها أتباعها ويعتنقها اليوم الكثير من الملحدين
المشكلة التي تقابلنا أن الأخلاق ليست بالثبات الذي نظنه وأن الإنسانية لها جانب مظلم له دُعاته

ومُروجيه على مر العصور يفرضون الشذوذ على القاعدة ثم بالتدريج تصير القاعدة هي الشذوذ
فنجد اليوم الصيحات للحرية تقلص المفهوم في الحرية الجنسية وحرية الشذوذ الجنسي وتقبل الآخر (ومَن هو الآخر)؟
ببساطة هو كل من ضد الفطرة السوية
ولا يتسع هذا التقبل للآخر امرأة أرادت أن تستر نفسها وتضع حجابها على رأسها ولا رجل

أراد أن يُطلق لحيته تسننًا أو يمارس دينه
وهنا نجد الكيل بمكاييل كثيرة وليس بمكيالين فقط فالمجتمع الإنساني الجديد الذي تقوده الماسونية

والصهيونية العالمية وأذنابها في كل مكان على الأرض أصبح يغير في المعايير الأخلاقية بشكل مناف تمامًا

لأي فطرة سوية أو عقل راجح .
اليوم هناك دعم غير محدود يستهلك إمكانات دول كاملة للمثليَّة الجنسيَّة
هذا بعد تبنيهم للحرية الجنسية الطبيعية من قبل، وفي المرحلة القادمة ستكون المناداة بحرية الإنسان

في الجنس مع الأنعام ثم الجمادات ثم الموتى
ولا نستبعد هذا إطلاقا وأظنه قريب جدًا
فمن كان يظن منذ عقود قليلة أن يجهر شاذ جنسيًّا بفحشه ويفخر بهذا ؟
بل ويجد الدعم الكامل لتثبيته وتشجيعه على الضلال الذي يمارسه ؟
ثم هذا المجتمع المنادي بحرية الفكر لا يجد أن معارضة الشذوذ من حرية الفكر
بل هي كراهية ،
إذن فعلينا أن نقدم ابناءنا وبناتنا للشذوذ قربانًا على مذبح الحرية وإلا ستكون تربيتنا لابناءنا خطاب كراهية .
كل هذا إنما أقصد به طبعًا المجتمعات الغربية التي نعلم جميعًا مدى تهتكها اهتراء أركانها الإنسانية

أساسًا لكن الغريب في الأمر أن نجد بعض الشرقيين عرب ومسلمين ومصريين أيضا يهاجمون من يرفض المثلية
هل فكر أحد هؤلاء العباقرة في أي فريق يضع نفسه؟
وهل يمكن أن تدفع المشاحنات السياسية والخلافات الأيدولوجية بالمجتمعات إلى

هوة سحيقة من الارتداد على الثوابت الإنسانية؟
ثم بعد كل هذا الطرح المبتسر الذي أقدمه هل نرى أن مفهوم الأخلاق يكفي لقيادة الإنسانية

فعلًا كما يدعي بعض المتنورين بل والدعاة الجدد في الأديان ؟
لا أظن الإنسانية لا تستقيم إلا بدين ثابت راسخ لا يتبدل وليس كدستور مؤقت تستبدل فقراته مع كل حاكم
الدين هو الحاكم
هذا طبعا إذا عدنا للأديان الأصلية لا تلك التي كتبت على عجل في بروتوكولات حكماء صهيون
أقصد أن يلتزم اليهود بما جاء به موسى وأن يعود المسيحيون إلى المسيحية الأصلية

وأن يعود المسلمين إلى صحيح دينهم وليس دين تدعو إليه راقصة هنا أو زنديق هناك
هذا بالطبع لصالح البشرية هنا في الحياة الدنيا أما في الآخرة فأمرها إلى الله
إن التاكيد على ضرورة العودة إلى الأديان التي لا يجب العبث فيها أمر غاية في الأهمية مع التاكيد

أيضا على ثبات هذه الأديان وعدم المساس أو العبث بها
وإلا فإن المسيحية الأوروبية والأمريكية هي خير دليل على الانحراف العقدي المتعمد
فقد اأاحت المسيحية الأوروبية الزنا بلا مشكلة ثم اأاحت الشذوذ ولا ندري ما قد تبيحه

فيما بعد ولنعرف مدي ما وصلت إليه من شطط لنقارنها بالمسيحية الشرقية
ولنتصور رد فعل بطريارك الكرازة المرقصية بابا الأسكندرية وهو رأس المسيحية الأرسزوكسية

في العالم وكبير مسيحيي الشرق إذا دخل عليه رجلان من الشواذ يريدان عقد زواجهما في الكنيسة
في الحقيقة لا أتصور ما قد يفعله
ولن يكفي أن يبرحهم ضربًا بالحذاء وربما يفور دمه فيذبحهما ببساطة إذا لم يصيبه

هو نفسه مكروه من شدة الموقف
على الرغم من أن للشواذ كنائس في الغرب تعقد لهم مراسم زواجهم
والشاهد هنا أن الأخلاق والمُثل تتغير بشكل طبيعي أو بشكل مدفوع مصطنع بخبث شيطاني

وهي غير ثابتة ولا يعول عليها
والثابت الوحيد هو الدين ولا شيء غيره وإن نافح لإثبات العكس من نافح وحارب لغير هذا من حارب
ولا يجب تعديل المسلمات لمجرد اتباع شخص أو جماعة أو تيار جديد إنما يقاس الناس

باتباعهم للأصول والثوابت ولا يميلون مع كل هبة ريح فينكصون على أعقابهم إلى الضلال

و يعادون من يدعوهم إلى فلاحهم وصلاح أمرهم فتتبدل الأدوار بين الحق والضلال
وختامًا فإن خلاصة القول إن معرفة الحق بالرجال خطأ فادح وإن معرفة الرجال بالحق هو عين الحق
فلا يجب أن يقف موتور مهاجمًا رجلًا ينادي بالحق فقط لأنه يخالفه سياسيًا
والسلام.

مقال خاص بجريدة اليوم الدولي

 

 

قد يعجبك ايضآ