مهازل المستشفيات الحكومية ومعاناة الفقراء .. متي تنتهي؟

مهازل المستشفيات الحكومية ومعاناة الفقراء .. متي تنتهي؟

تفرير: زينب النجار…

ذهبت يوم الاثنين لعمل بعض الفحوصات اللأزمة ، لأستخراج أوراق مهمة تحتاج إلي كشف وختم مستشفي حكومي ..

وصلت إلي المستشفي في تمام الساعة الثامنة صباحًا ذهبت لحجز دور للكشف ، لكني لما أجد دور فقد تم حجز كل الأدوار
فقولت كيف ، فشرح لي مسئول المرضي
إذا كان لابد من الكشف وحجز الدور لأستخراج الأوراق اللأزمة ، يجب أن أتي غدًا الساعة الخامسة أو السادسة صباحًا للألحاق بباب الحجز ..
شعرت بالأستغراب وقررت عليه سؤالي مرة أخري ..
هل تقصد الخامسة مساء؟
قال لا لا … الخامسة صباحًا بعد أذان الفجر مباشرة…
فقولت له التوقيت مبكرا جدًا ونحن في فصل الشتاء والطقس بارد …
فقال : إذا كنتي تريدين إستخراج الأوراق والكشف تأتي كما قولت لكٍ ..

سألته مرة أخري بأكثر إستغراب ..
هل سأجد عمال وأطباء ومرضي ..
قال :نعم ، لكن مواعيد الأطباء من الساعة ال٩ صباحًا …
ثم عاد علي نفس الأجابة وطلب مني إلا أطرح عليه الأسئلة مرة ثانية ..

ويجب أن أحضر غدا الساعة الخامسة صباحًا أو السادسة إلا ثلث للألحاق بحجز الدور للكشف…
ذهبت وأنا غير مستوعبة لهذه المحادثة
ولكن شئ بداخلي أصر علي المجازفة
وأن أتي كما طلب مني في الميعاد المحدد …

في اليوم التالي : الثلاثاء درجة حرارة ١٦ درجة مئوية ،طقس شديد البرودة جدا مع هبات رياح عاصفة باردة مع أمطار متوسطة ….
المكان: مستشفي القصر العيني القديم.
الزمان : الساعة الخامسة صباحًا…

حضرا المرضي من جميع مناطق القاهرة ومحافظات القاهرة الكبري ، بني سويف ، أسيوط الشرقية، المحلة ، بنها ، قليوبية ..
الجيزة ، شبرا ، المطرية ، عين شمس ، غمرة ..

شيوخ كبار في السن ونساء عجائز وشباب يحملون أبائهم وأمهاتهم ، وأمهات يحملون أبنائهم من الأطفال الصغار والرضع ، في هذا البرد القارس ، متحملون مشاقة السفر لأجل الحصول علي علاج بتكلفة رمزية بسيطة جدًا ، لأنهم لا يستطيعون دفع مبالغ وهمية في عيادات الأطباء الخارجية…
أو من أستلزم عليه الذهاب إلي هذه المستشفيات الحكومية لأستخراج أوراق مهمة تحتاج كشف وختم هذه المستشفيات الحكومية مثلي تمامًا…

وبعد التجمع وفي حوالي الساعة الخامسة ونصف أجتمع المرضي عند باب العيادات، وطلب منهم موظف أمن بالمستشفي أسمه محمد، بأستخراج ورقة وقلم وليسجل كل من أتي مبكرا أسمه مُرقم …
ثم قال التسجيل إلي ١٠ أسماء فقط ولا يجوز أضافة مرضي أخرين ، وقد تم تسجيل ١٠ اسماء كما طلب منهم وخلال الساعة السادسة صباحًا كان يوجد المئات من المرضي بجميع العيادات لتسجيل أسمائهم ، إلا أن موظفون الأمن أكدوا أنهم أكتفوا بهذه الأعداد العشرة كما يطلب منهم كل يوم ، ولن يلتفتون إلي أي أرقام ثانية ، ثم قالوا لهم لابد من الأنصراف وأن يأتوا غدا باكرًا لحجز موعد جديد في الساعة الخامسة والحجز لأوائل الحاضرين ..

وطلب من الذين سجلوا أسمائهم أن ينتظروا حتي تأتي مسئولة المرضي..

فسألته بحدة ومتي ستأتي قال لي الساعة الثامنة ونصف صباحًا ..
فقولت ونحن ماذا نفعل ؟

قال تنتظروا إلي أن تأتي المسئولة وتنظم الأسماء كما بالورقة وبعدها عليكم إنتظار الطبيب المعالج …
فسألته : ومتي يأتي الطبيب المعالج قال الساعة التاسعة ونصف أو العاشرة صباحًا
وما عليكم إلا الإنتظار لكي تحصلون علي الكشف …

فسألته بحدة وحزم وغضب لماذا نأتي الخامسة صباحًا في هذا البرد القارس
مع أن الطبيب المعالج والمسئولة تأتي الساعة التاسعة ، فلم يرد علي سؤالي وتركني وذهب في سبيل حاله ….

الساعة العاشرة إلا ربع جاءت مسئولة المرضي وأخذت الورقة وقامت بتجهيز وترتيب أسماء وأرقام المرضي مرة أخري …
ثم حضر طاقم الأطباء ما بين الساعة العاشرة ونصف إلي الساعة الحادية عشرا …
وكل هذا الوقت المرضي في أنتظار بصمت رهيب ورجفة ورعشة من برودة الطقس …

وفجأة خرجت مسئولة المرضي وقالت لقد لغي جميع الحجوزات لأن الأجهزة في قسم التخاطب والسمعيات بها عطل من أمس ولن يتم تصليحه ، فهاج المرضي الذين أنتظروا كل هذه المدة والذين تحملوا مشاقة السفر والذل والإنتظار مع مصاريف السفر العالية في هذا الوقت ..

أما في العيادات الأخري تم إدخال المرضي حسب أرقامهم إلا أن تعامل الممرضيين والمشرفين مع المرضي تعامل غير آدمي فهم يصرخون عليهم ويهدودونهم بإلغاء دورهم أو تبديله إذا تكلم أحد ،وقد قامت بالفعل أمام عيني أحدي مشرفي المرضي بتبديل دور مريضة لأنها بأدرتها بالسؤال متي سيأتي الطبيب؟

نهيك عن طريقة المعاملة مع المرضي فهم لا يعلمون شئ عن إحترام المرضي والرفق بهم ، فجميع ممرضي المستشفي والعاملين بالعيادات الخارجية ، يطلقون الأصوات العالية والصريخ والشخط والأهانة والسب والتهديد بخروج المريض عن الكشف ، وبعض المرضي لا يستحملون هذه الأهانة، فيدور بينهم حوار شد وجذب ومشادات كلامية وهذا ما دار بيني وبين أحدي المشرفات لأنني لا أستطيع السكوت عن أهانتي بدون سبب وصراخها العالي ..
والبعض الأخر لا يستطيع الدفاع عن الأهانة والصريخ وردها ، ليس لأنه ضعيف الشخصية بلا لأنه مريض ولا يستطيع المناهدة والأنتظار بتبديل دوره إلي نهاية الكشف …

فما يدور في هذه المستشفيات الحكومية كارثة بمعني الكلمة ، كارثة تهدد حياة المرضي فهي مأثة محزنة يحصل عليها المواطن الفقير الغلبان …

فالمستشفيات الحكومية هي أحدي المشاكل التي يعاني منها الشعب المصري وخاصة الفقراء، وكالعادة فكل يوم يصرخون ولا احد يسمع إلي صراخهم أو حتي يشعر بهم ..
ولا زالنا نعيش إلي يومنا هذا في توابع الإهمال والفوضي التي خلفها النظام البائد في هذه المستشفيات ..
إلي متي سيستمر هذا الوضع المهين للفقراء والمساكين إلي متي سيحصلون علي الأهتمام والصحة والعدالة الأجتماعية والحياة الكريمة والعزة لكل مواطن إلي متي ستتخذ الحكومة إجراءاتها الحاسمة لأنهاء هذه المهازل

فإن المواطن البسيط يعاني دائما من تدني مستوي الخدمات العلاجية والنظافة وعدم تواجد الأطباء لفترات طويلة الأهانة من ممرضي المستشفيات وطول مدة الأنتظار وتحمل مشاقة السفر، ومع ذلك ليس لديه حل إلا الذهاب للعلاج في هذه المقابر المميتة..

لماذا لا يوجد عدل ، ولا قانون يحترم معاملة الفقير والمريض ، ولا يوجد رقيب ومحاسب لمن يخطئ ويفرط في حقوق المواطنين ،لذلك سوف تستمر معاناة المرضى الفقراء في مصر وسوف تزداد سوء يوم بعد يوم وسط غياب رقابة وقوانين غير مفعلة وأطباء وممرضيين وعاملين ليس في قلوبهم رحمة..

فلماذا لم يبلغوا وزارة الصحة بأعطال الأجهزة قبل أن يأتي المريض للحجز في هذا البرد القارس ، لماذا لم يتم تعيين موظفين مؤهلين للتعامل مع المرضي المسنيين والأطفال وضعاف السمع
فأن الموظفين غير مؤهلين للعمل ويتحدثون مع كبار السن بطريقة سيئة ومهينة، كما أنهم لا يجدون التحدث بطريقة واضحة أو صحيحة مع فاقدي السمع ولا لديهم أي من التعليمات عن كيفية التعامل مع المرضي ، فكل ما تقوم به المسئولة أو ممرضة العيادة علي مسمع ومرأي أطباء العيادات ،هو الصراخ بصوت
عالي ،وشخط وأهانة وسب المريض، وإذا لم يعجب بما تفعله يمكنه الإستغناء عن دوره ،فهذا منافي تمام للأخلاق وشرف المهنة ..
فأين وزارة الصحة من إصلاح هذه المستشفيات الحكومية وجعلها تصلح لمسمي جدير بعلاج الفقراء والعناية بهم وليس قتلهم بالبطئ…..

إنني أستحلفكم بالله يا مسؤولي وزارة الصحة، فإن كنتم أمنتم العقوبة والمحاسبة في الدنيا، فإنكم لن تأمنوا ولن تنجوا ولن تفرّوا من حساب الله يوم تأتي كل نفسٍ بما كسبت.

قد يعجبك ايضآ