داروين.. يحرك ذيله …. بقلم / محمد عبد الواحد

داروين.. يحرك ذيله

محمد عبد الواحد

بأظافره هرش داروين رأسه مفكرا.. عاود الكتابة..

” و كنا في ذلك الوقت قد عثرنا بالفعل على ما يؤكد ذلك..و منها :

  • الرسومات المحفورة على جدران الكهوف.
  • القامة قصيرة.. الجذع مقوس.. الأذرع أطول مما عليه الآن.. أطراف الأصابع تكاد تمس الركبتين
  • الشعر كثيف يغطى سائر الجسد.
  • صيوان الأذن الواسع يوازى بحافته أعلى الرأس. وقد اتخذت دائما وضع الانتباه إلى هسيس الخطر
  • الشفتان متضخمتان.. تشغلان تقريبا النصف السفلى للوجه..
  • الوثائق التشريحية تكرر فيها ظهور ذيل طويل.. كامل العضلات المتحكمة في تحريكه.. وقد انسحب تدريجيا ليختفى مع التطور.

وبرغم الهجوم الشرس والمستمر على نظريتى في النشوء والارتقاء فإنني أعاود التأكيد للعلم وللبشرية جميعها ان سلالة الانسان انحدرت بما لا يدع شكا من أصل القرود..

وما أريد الآن اضافته ملحقا لنظريتى .. هو ما يختص بالتطور السلوكى..

فمع التطور استقامت القامة واستطالت.. تمركزت الشفتان.. تقلصت الذراعان بصورتهما الحالية.. وفي حياتى الشخصية تفسيرا جزئيا لضيق العينين أيضا وتغير شكل الانف.. حيث مازالت في إطارها القديم على احدى جدران غرفة الضيوف العتيقة في بيت العائلة صورة فحمية لجدى السابع ” تايلور ” يدخن ما يشبه غليونا.. كان التبغ حديث عهد.. و يبدو ان دخانه كان كثيفا ولاسعا فضاقت له العينان و انكمشت عضلات الأنف ..

بالإضافة إلى ماسبق.. فقد لاحظنا أيضا تغيرا سريعا في بعض السلوكيات..

مثال تطبيقى: القتل

فمن حجر يهشم به رأس عدوه.. إلى نصل حديدى يحتاج قوة عضلية هائلة لغرسه في اللحم و العظم بما ينعكس عليه بطول وقت مشحون بوخز من ضمير ومراجعة للنفس..

احتد السكين ليخترق في نعومة وسرعة طريقه إلى القلب..

استطال سيفا يلقى برأس غريمه على بعد خطوات من جسده..

نارا يلقمها منجنيق لتهوى أعلى البيت فتشعله بكل ما فيه من أطفال يتحلقون شيخا يتثاءب بينما امرأة تلقم ثديها رضيع وهي تطبخ.. ليتبقى من الجميع كومة مختلطة من رماد..

ومما ضاعف في رأى من دوافع القتل هو التدرج المتزايد في “غريزة الطمع” :

  • فمن رغبة في تملك كهف خاص وامرأة خاصة دون الجماعة.
  • إلى ارض ذات حدود.
  • إلى دولة يملك فيها قطيعا يسمى شعبا.. وأراضي تسمى ثروة قومية يعب منها ما يشاء ويشتهى هو و جماعته المحدودة ..تاركا الفتات منثورا تتنازعه الأيدي و الحيل..
  • إلى امبراطورية تذوب فيها الدول.. ليرفع على رأسه تاجا متعددا ..يملك به ثروات أرضها.. ويغلق امام الطيور الغريبة سمائها إلا بأمر منه..
المزيد من المشاركات

بحبها

تأملات

و لكى ينتزع الطامع او يتشبث المطموع فيه لم يعد السيف كافيا..

تحول السيف إلى ماسورة ذات فوهتين محشوتان بالبارود ليثقب الرصاص البطن والقلب ويهشم الرأس مخلفا خيطا من دخان تنتهى به حفلات الشواء..

انكمشت الماسورة لتصبح مسدسا يختفى في الجيب عن الأنظار..

غطى المسدس كاتم صوت يقتل بهدوء دون ازعاج النائم إلى جواره..

و ما بين الانتزاع و التشبث حملت الطائرات ملايين من أطنان الTNT  لتحول في سنوات معدودة  بتفجيراته الهائلة  90مليونا من البشر إلى مجرد ذكريات لأطفالهم أو حسرة لأمهاتهم و زوجاتهم  ..

خلت السماء المزدحمة.. سكن هدير الطائرات.. لتمر في هدوء طائرة واحده بقنبلتين تابعهما الأطفال في هبوطهما الناعم لتتبخر بانفجارهما أجساد ربع مليون انسان في دقائق.. تاركة توقيعا أبديا على كروموسومات الأجيال المتعاقبة من طفرات و تشوهات لاتنتهى ..

حينما قامت الحرب العالمية الخامسة.. رفع الجميع التحريم عن كل أنواع الأسلحة وخرجت البشرية عن كل القيود.. فانتشر في الجو غاز novcheck وقد تكفل كل طن منه بإبادة فورية لعشرة ملايين من البشر بعد تشنجات ورعشات ونظرات ذهول لا تستغرق ثوان معدودة..

يأتى الرد على مدن أخرى بغلاف من غازات مسممات الدم التي تمنع الدم من امتصاص الأكسجين..

بعد تهديد متلفز لقائد هتلرى تنتشر غازات تحولت الرئة إلى قربة من حمض نارى تنثقب له غربالا..ثم توالت موجاته من الفوسفور الأبيض لتصبح بعده المدينة مطفأة سجائر ضخمة ممتلئة عن آخرها برماد بشرى..

أما الدول الأكثر تقدما فقد فجرت قنابلا فراغية سحبت كامل الأكسجين من سكان المدن لخنق جماعى سريع دون كلفة..

يحمل كل ذلك على رؤوسها صواريخ تعبر القارات في دقائق محدودة.. ليأتي رد القطب الأوحد على الجميع بقنبلة اندماجية هائلة يرتج لها سطح الكرة الأرضية بانفجار شامل يعادل توهجه توهج باطن الشمس ثلاثة آلاف ضعف.. ليحل صمت كامل وظلام دامس لسنوات.. لتخرج القلة الناجية من مخابئها تحت الأرض..

لوحظ بعد الحرب العالمية الخامسة والتي انتهت منذ مئات السنين.. عودة القامة إلى التقوس مرة أخرى.. انحناء الجذع.. زحف الشعر من جديد على سائر أجساد الجسد.. عاود صيوان الأذن الارتفاع كلاقط لهسيس المخاطر.. تضخمت الشفتان..

كل ذلك أكد فرضية جديدة أخرى- وأنا بالمناسبة في كامل الاستعداد لتحمل الهجوم على فرضياتها وعلى شخصى مرة أخرى- ألا وهى “أننا بشرانيات.. سلالتنا الحالية نتيجة انحدار.. ارتقاء عكسى .. وأننا ننحدر من سلالة الانسان.. ولنا منهم أجدادا “..

أحس دارون الإرهاق.. وضع على الأرض الحجر الطباشيرى الذى كان يكتب به على إحدى الجدران داخل المغارة المظلمة.. تناول بقايا سحلية ضخمة   تبقت من وجبة الغذاء.. تشممها مرات.. كان مستغرقا في التفكير وهو يأكل.. التفت إلى مشاعل النيران المرفوعة وقد بدأ بعضها يذوى..

كانت النيران تطقطق عاكسة ظلا كئيبا لدارون وهو يمضغ على مهل.. شارد الذهن ..يحرك ذيله يمينا و يسارا في بطء..

 

محمد عبد الواحد

قد يعجبك ايضآ