عظمة الخالق في مخلوقاته
بقلم: محمــــــد فرغلي
من براهين توحيد الخالق جلَّ وعلا وآيات الآفاق
خلقُ السموات بغيرِ عمدٍ ترونها ، وخلق الجبال ، وخلقُ الدّواب والحيوانات ، وخلق المطر ، وخلقُ النباتات ، خاطبَ المشركين قائلًا :
{هَذَا خَلْقُ اللَّه فأَرُوْنى مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُونِهِ}.
وأضاف في ختام الآيةِ :
{بَلِ الظّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُبْينٍ}.
فكيف يُمكنُ لمَن يملُك بصراً ويرى آثار قدرةِ وحكمةِ وعظمة الخالق في عَرضِ عالم الوجود ، ثمَّ يخضعُ تعظيماً لغيره.
ونواجه في هذه الآيات مرّةً اخرى التعبير ب
{كُلِّ زَوْجٍ كَريْمٍ} بخصوص النباتات ، حيث يتحدث عن التنوع الضروري جدّاً للنباتات ، وعن الزوجية في عالمها ، ويُشعر سالكي طريق التوحيد بأهميّة هذا الموضوع.
لفظة ظلم لها معنى واسع حيث يشمل وضع اي شيء في غير محلّه ، وحيث كان المشركون يعتبرون تدبير الكون بيد الأصنام ، أو يتصورونها واسطةً بين المخلوق والخالق ويسجدون لها ، فقد ضلُّوا وارتكبوا ظلماً عظيماً ، ولهذا جاءت هذه الكلمة في الآية أعلاه بمعنى الشرك ، أو بمعنىً واسع حيث إنَّ الشركَ مصداقٌ واضح له.
لا يخفى أنّ عبارة فأَروني في الواقع جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وبتعبيرٍ آخر انَّهُ مكلَّفٌ بانَّ يقول هذه الجُملة للمشركين ، لانَّ الآراء للَّه لا يمكن أن يكون لها مفهوم.
ويقول بصراحةٍ في الجزء الرابع من هذه الآيات التي وردت في سورة يس :
{وآيَةٌ لَّهُمُ الأَرضُ المَيْتَةُ أَحيَيْناها}.
وفي الحقيقة أنَّ مسألة الحياة من اهم أدلَةِ التوحيد ، سواء كانت في عالم النباتات ، أم الحيوانات والبشر ، أنّها المسألة الغنيةُ بالأسرار والمدهشةُ التي حيَّرت عقول كبار العلماء ، ومع كل النجاحات التي حققها الإنسان في مختلف الحقول العلمية ، لم يفلح أيُّ شخصٍ من حلِّ لُغز الحياة حتى الآن ، ولا عِلْمَ لأي أحدٍ كيف وتحت تأثير أية عوامل تبدّلت الجمادات
إلى كائناتٍ حَّيةٍ .
ثمَّ أشارَ خلال بيان مسألة احياء الأرض الميتة ، إلى إنماء المحاصيل الغذائية كالحنطة والشعير والذرة ، وبساتين العنب والنخيل النظرة ، وتكوين ينابيع الماء الصافي ، وقال في الختام :
{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْديهِمْ أَفَلا يَشكُرُونَ}.
إنَّ عبارة ما عَمِلَتْهُ أَيْديهِم إشارة لطيفةٌ إلى أنَّ هذه الثمار الطازجة ، غذاءٌ كاملٌ مهيأٌ للأكل دون الحاجةِ إلى طبخهِ وإضافة المواد الاخرى إليه ، فليس للإنسان تدخلٌ في أصل وجودها ، ولا في اعدادها للأكل ، فعملُ الإنسان لا يتعدى نثرُ البذور وسقي الأشجار فحسب .
على أيّةِ حالٍ ، لم يكن الهدف من خلق كل هذه النِّعم المختلفة انهماك الإنسان بالأكل كالحيوانات ، وأنْ يقضي عمره على هذه الحال ، ثم يموت ويصبح تراباً ، كلا ، فالهدف ليس هذا ، بل إنّ الهدف هو أن يرى ذلك ويعيش في ذاته الشعور بالشكر ، ومن خلال شُكر المنعم يصل إلى معرفة واهب النِّعم حيث ينالُ اسمى المواهب وأرفع مراحل تكامل الإنسان.
والمسألة الجديرة بالاهتمام في الآيات أعلاه هي انّها تضع الزوجية في عالم النباتات إلى جانب الزوجية في عالم الإنسان فتقول :
{سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ انْفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}.
فهذا التعبير دليلٌ على أنَّ الزوجيةَ هنا تعني جنس الذكر والانثى ، ووجودها على نطاقٍ واسعٍ في عالم النباتات ، وهذا من المعاجز العلمية للقرآن الكريم ، لأنَّ هذا المعنى لم يكن آنذاك واضحاً لدى الإنسان بأنَّ هنالك وجودٌ لقوامِ الذكر والاجزاء الانثوية في عالم النباتات ، وتنطلقُ الخلايا التي هي نُطَفُ الذكور لتستقر في الأجزاء الانثوية وتتَلاقَح معها وتنعقد نطفةُ النبات.
وقال تعالى :
{ومِمَّا لا يَعلَموُن} إشارة إلى أنَّ مسألة الزوجية لها نطاق واسع ، وما أكثر الموجودات التي تجهلون وجود الزوجية فيها ، وسيزيل تطورُ العلم النقاب عنها كما ثبتت هذه المسألة في الذّرات حيث تتركب من قسمين مختلفين يكمِّلُ أحدُهما الآخر كالزوجين :
في الالكترونات تحمل الشحنات السالبة ، والبروتونات تحمل الشحنات الموجبة ، ومواضيع اخرى لم يتوصل إليها العلم البشري حتى الآن..
التعليقات مغلقة.